الأحد، 2 أكتوبر 2011

الباب الثاني القول على الله بغير علم

الباب الثاني
القول على الله بغير علم

الفصل الأول: الكذب على الله ورسوله 
وفيه ثلاثة مباحث.
الفصل الثاني: الكذب عموماً.
وفيه أربعة مباحث.
الفصل الثالث: شهادة الزور وقول الزور.
وفيه ثلاثة مباحث.

الفصل الأول: الكذب على الله تعالى ورسوله 
المبحث الأول: تعريف الكذب
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((واعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، تعمّدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل، وإنما يأثم في العمد))( ).
فالكذب: الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمداً كان أو سهواً.
المبحث الثاني: الترهيب من الكذب على الله تعالى ورسوله 
لا شك أن من كذب على الله وعلى رسوله أشدّ وأعظم ذنباً، وأقبح فعلاً ممن كذب على من سوى الله ورسوله.
قال الله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ ( ).
وقال سبحانه: وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ( ).
وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِـمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ( ).
وقال سبحانه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِـمُونَ ( ).
وقال : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ الله وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ( ).
وقال : قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ( ).
وقال : إِنَّـمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ).
وقال : وَلاَ تَقُولُواْ لِـمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتـَفْتَرُواْ عَلَى الله الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ( ).
وقال : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزَلَ الله وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِـمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْـمَوْتِ وَالْـمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْـهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الْـحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ( ).
وقال : قُلْ إِنَّـمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( ).
وعن علي  قال: قال النبي : ((لا تكذبوا عليَّ؛ فإنه من كذب عليّ فليلجِ النار))( ).
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدّث عن رسول الله  كما يحدّث فلان وفلان، قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: ((من كذب عليَّ فليتبوّأ مقعده من النار))( ).
قال أنس: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن النبي  قال: ((من تعمّد علي كذباً فليتبوأ مقعده من النار))( ).
وعن أبي هريرة  عن النبي  قال: ((تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثّل في صورتي، ومن كذب علي متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار))( ).
وعن سلمة بن الأكوع : قال سمعـت النبي  يقــول: ((من يقلْ عليّ ما لم أقلْ فليتبوّأ مقعده من النار))( ).
وفي صحيح مسلم: ((من حدَّث عني بحديث يُرَى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))( ).
وعن المغيرة بن شعبة قال:سمعت رسول الله  يقول:((إن كَذِباً عليَّ ليس كَكَذِبٍ على أحد،فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار))( ).
وعن واثلة بن الأسقع  عن النبي  أنه قال: ((إن من أعظم الفِرى أن يدَّعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُريَ عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله  ما لم يقل))( ) .
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : ((كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع))( ).
وعن عبد الله بن مسعود  قال: ((ما أنت بمحدّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)) ( ).
وقال عمر بن الخطاب : ((بحسب المرء من الكذب أن يُحـَدِّثَ بكل ما سمع)) ( ).
وقال ابن وهب: ((قال لي مالك: اعلم أنه ليس يسلم رجل حدَّث بكل ما سمع، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدِّث بكل ما سمع)) ( ).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((لا يكون الرجل إماماً يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع)) ( ).

المبحث الثالث: ما يمتاز به الكاذب على رسول الله  من الوعيد على من كذب على غيره وحكم الكذب عليه 
1- الكذب على النبي  فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة، ولكن لا يكفر بهذا إلا أن يستحله وهذا مذهب الجمهور.
2- والرأي الثاني أن الكذب عليه  يكفر متعمّده عند بعض أهل العلم. وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفّه ابنه إمام الحرمين ومن بعده. ومال ابن المنيّر إلى اختياره. وَوَجَّهه بأن الكذب عليه في تحليل حرام مثلاً لا ينفكّ عن استحلال ذلك الحرام، أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر.
وقال إمام الحرمين عن هذا الرأي - رأي والده - إنه هفوة عظيمة، ورجّح الإمام النووي رحمه الله والحافظ ابن حجر رأي الجمهور وهو أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حلَّ ذلك.
3- قال الإمام ابن حجر: الكذب عليه  كبيرة، والكذب على غيره صغيرة فافترقا، ولا يلزم من استواء الوعيد في حقّ من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرّهما واحداً أو طول إقامتهما سواء، فقد دلّ قوله  ((فليتبوأ)) على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها؛ لأنه لم يجعل له منزلاً غيره، إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين، وقد فرَّق النبي  بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره... فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد..)) ( ) .
4- من كذب على النبي  عمداً في حديث واحد فسق ورُدّت رواياته كلها، وبطل الاحتجاج بجميعها... ( ).
5- والكذب على رسول الله  كذب على الله؛ لأن الله يقول:
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْـهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ( ). فيدخل من كذب على الرسول  في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ( )، والله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات: