الأحد، 2 أكتوبر 2011

الفصل الثاني: النميمة


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى نقلاً عن الإمام الغزالي رحمه الله ما ملخصه: ((النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه ولا اختصاص لها بذلك، بل ضابطها كشف ما يُكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولاً، أم فعلاً، وسواء كان عيباً أم لا، حتى لو رأى شخصاً يُخفي ماله فأفشى كان نميمة)) ([1]).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((... في رواية لا يدخل الجنة نمّام، وفي أخرى قتّات، وهو مثل الأول فالقتّات هو النمّام)). ثم قال: قال الجوهري وغيره: ((يقال: نمَّ الحديث ينِمه، وينُمه، بكسر النون وضمها، نما، والرجل نمّامٌ، وقتّه يُقتّه بضم القاف قتّاً. قال العلماء: النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم)) ([2]).
ثم قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ((كأنّه أشار بهذه الترجمة إلى بعض القول المنقول على جهة الإفساد يجوز إذا كان المقول فيه كافرًا مثلاً، كما يجوز التجسس في بلاد الكفار ونقل ما يضرّهم )) ([4]).
قال الله تعالى: ]هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [([6]).
وقال سبحانه: ]وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّـمَزَةٍ [([7]) .
 وعن حذيفة t قال:سمعت النبي r يقول:((لا يدخل الجنة قتّات))([8]) .
والقتّات هو النمّام. ووقع في رواية أبي وائل عن حذيفة عند مسلم([9]) وقيل. الفرق بين القتّات والنمّام: أن النمّام الذي يحضر القصة فينقلها، والقتات الذي يستمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه([10]).
وقال حذيفة: سمعت النبي r يقول: ((لا يدخل الجنة نمّام))([11]).
قال الحافظ ابن حجر: قوله: ((لا يدخل الجنة)) أي في أول وهلة، كما في نظائره([12]).
وعن عبد الله بن مسعود t قال: إن محمداً r قال: ((ألا أنبئكم
ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس
))، وإن محمداً r قال: ((إنَّ الرجل يصدق حتى يكتب صدّيقاً. ويكذب حتى يكتب كذّاباً))([13]).
وذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال: ((يفسد النمام والكذاب في ساعةٍ ما لا يفسد الساحر في سنة))، والنميمة من أنواع السحر، لأنها تشارك السحر في التفريق بين الناس، وتغيير قلوب المتحابّين وتلقيح الشرور([14]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي r من بعض حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان، في قبريهما فقال: ((يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير: كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها بكسرتين- أو اثنتين - فجعل كسرة في قبر هذا، وكسرة في قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا))([15]).
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مرّ رسول الله r على قبرين فقال: ((إنهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير: أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة)) ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، ثم قال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ))([16]).
قال الإمام النووي: ((وكل من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدّقه، لأن النمّام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبّح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حُكِيَ له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمّام عنه، فلا يحكي نميمته عنه فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمّاماً، ويكون آتياً ما نهى عنه...)) ([17]).
عن أبي هريرة t عن النبي r قال: ((إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه))([18]).
قال ابن حجر رحمه الله: ((وهو من جملة صورة النمام، وإنما كان ذو الوجهين أشر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملِّقٌ بالباطل وبالكذب من مدخل للفساد بين الناس، فيأتي كل طائفة بما يرضيها على جهة الإفساد، ويظهر له أنه منها ومخالف لضدّها، وهذا عمل النفاق والخداع وكذب وتحيُّل على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرّمة.
وعن عمار t قال: قال رسول الله r: ((من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار))([20]).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((فإن دعت حاجة [إلى النميمة] فلا مانع منها، وذلك كما إذا أخبره أن إنساناً يريد الفتك به، أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام، أو من له ولاية بأن إنساناً يفعل كذا ويسعى بما فيه مفسدة، ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته، فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام وقد يكون بعضه واجباً، وبعضه مستحباً على حسب المواطن والله أعلم)) ([23]).
قال الإمام البخاري: رحمه الله تعالى: ((باب من أخبر صاحبه بما يُقال فيه))، ثم ساق بسنده عن ابن مسعود t قال: قسم رسول الله r قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله r فأخبرته، فتمعّر وجهه وقال: ((رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر))([24]).

# # #



([1]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/473، والأذكار للنووي، 298.
([2]) شرح الإمام النووي على مسلم، 2/112.
([3]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/472.
([4]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 10/472.
([5])انظر: الأذكار للإمام النووي، ص 289.
([6]) سورة القلم، الآيتان: 11- 12.
([7]) سورة الهمزة، الآية: 1.
([8]) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، برقم 6056، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، برقم 169- (105).
([9]) مسلم، 1/101.
([10]) فتح الباري ،10/473.
([11]) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، برقم 105.
([12]) الفتح، 10/473.
([13]) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم النميمة، برقم 2606.
([14]) انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، ص325.
([15]) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب النميمة من الكبائر، برقم 6055، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول، برقم 292.
([16]) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الغيبة، برقم 6052.
([17]) شرح النووي على مسلم، 2/113، نقلاً عن الغزالي، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري،
10/473، نقلاً عن الغزالي كذلك، والأذكار للنووي، ص299، نقلاً عن الغزالي كما تقدم.
([18]) أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج قال غير ذلك، برقم 7179، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب خيار الناس، برقم، 199- (2526).
([19]) انظر فتح الباري، 10/475.
([20]) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في ذي الوجهين، برقم 4873، وصححه العلامة الألباني، انظر: صحيح الجامع، 5/346، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، 889.
([21]) انظر صفحة 18 من هذا الكتاب.
([22]) انظر صفحة 21 من هذا الكتاب
([23]) انظر: شرح النووي على مسلم، 2/113.
([24]) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه، برقم 6059.
([25]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 10/476.

ليست هناك تعليقات: