الأحد، 2 أكتوبر 2011

بسم الله الرحمن الرحيم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، اتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ، وقالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون .

وصلى الله على عبده ورسوله ، خير الخلق وأكرمهم على الله المصطفى المأمون ، صلاة دائمة ما دامت الأيام والدهور والسنون ، أما بعد :

فهذا فصل فيما قام به الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رضي الله عنه وتفرد به دون غيره من العلماء رضي الله عنهم ، الذين كانوا قبله وفي زمانه ، وذلك بتكسير الأحجار التي كان الناس يزورونها ، ويتبركون بها ، ويقبّلونها ، وينذرون لها النذور ، ويلطخونها بالخلوق ، ويطلبون عندها قضاء حاجاتهم ، ويعتقدون أن فيها أو لها سرا ، وأن من تعرض لها بسوء بقال أو فعال أصابته في نفسه آفة من الآفات .

فشرع الشيخ يعيب تلك الأحجار ، وينهى الناس عن إتيانها ، أو أن يفعل عندها شيء مما ذكر ، أو أن يحسن بها الظن .

فقال له بعض الناس : إنه قد جاء حديث أن أم سلمة رضي الله عنها سمعت النبي r يقرأ بالتين والزيتون ، فأخذت تينة وزيتونة وربطت عليهما وعلقتهما حرزا ، وبقيت كلما جاء إليها أحد به مرض تحطه عليه فيبرأ من ذلك المرض . فبلغ ذلك رسول الله r فسألها عن ذلك ، فقالت : سمعتك تقرأ بالتين والزيتون ، فقلت : ما قرأ رسول الله بذلك إلا وفيه سرا أو منفعة ، فعملت تينة وزيتونة لي حرزا ، وأحسنت ظني به ، ونفعت بذلك الناس . فقال لها النبي r : ( لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به ) .

فقال الشيخ : هذا الحديث كله من أوله إلى آخره كذب مختلق ، وإفك مفترى على رسول الله r وعلى أم سلمة رضي الله عنها ، والذي صح وثبت عن النبي r فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني .. ) الحديث . و : ( أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي عبدي خيرا ) . وقال : ( لا يموتن أحدكم إلا ويحسن ظنه بالله الذي تفرد بخلقه ، وأوجده من العدم ولم يكن شيئا ، وبيده ضره ونفعه ) ، كما قال إمامنا وقدوتنا إبراهيم خليل الرحمن : { الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين . والذي يميتني ثم يحين . والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } فهذا الرب العظيم الكبير المتعال ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، يحسن العبد به ظنه ، ما يحسن ظنه بالأحجار ، فإن الكفار أحسنوا ظنهم بالأحجار فأدخلتهم النار ، وقد قال الله تعالى في الأحجار وفيمن أحسنوا بها الظن حتى عبدوها من دونه : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } وقال : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } وقد أمر النبي r أن يستجمر من البول بثلاثة أحجار ، ما قال أحسنوا ظنكم بها ، بل قال : استجمروا بها من البول ، وقد كسر النبي r الأحجار التي أُحسن بها الظن حتى عبدت حول البيت وحرّقها بالنار .
فبلغ الشيخ أن جميع ما ذكر من البدع يتعمدها الناس عند العمود المخلق الذي داخل الباب الصغير الذي عند درب النافدانيين فشد عليه وقام واستخار الله في الخروج إلى كسره ، فحدثني أخوه الشيخ الإمام القدوة شرف الدين عبد الله بن تيمية قال : فخرجنا لكسره ، فسمع الناس أن الشيخ يخرج لكسرالعمود المخلق ، فاجتمع معنا خلق كثير . قال : فلما خرجنا نحوه ، وشاع في البلدان ( ابن تيمية طالع ليكسر العمود المخلق ) صاح الشيطان في البلد ، وضجت الناس بأقوال مختلفة ، هذا يقول ( ما بقيت عين الفيجة تطلع ) ، وهذا يقول ( ماينزل المطر ، ولا يثمر شجر ) وهذا يقول : ( ما بقي ابن تيمية يفلح بعد أن تعرض لهذا ) ، وكل من يقول شيئا غير هذا .

قال الشيخ شرف الدين : فما وصلنا إلى عنده إلا وقد رجع عنا غالب الناس ، خشية أن ينالهم منه في أنفسهم آفة من الآفات ، أو ينقطع بسبب كسره بعض الخيرات .

قال : فتقدمنا إليه ، وصحنا على الحجّارين : دونكم هذا الصنم ، فما جسر أحد منهم يتقدم إليه . قال : فأخذت أنا والشيخ المعاول منهم ، وضربنا فيه ، وقلنا : { جاء الحق وزهق الباطـل إن الباطـل كان زهوقا } وقلنا : إن أصاب أحد منه شيء نكون نحن فداه ، وتابعنا الناس فيه بالضرب حتى كسرناه ، فوجدنا خلفه صنمين حجارة مجسدة مصوّرة ، طول كل صنم نحو شبر ونصف .

وقال الشيخ شرف الدين : قال الشيخ النووي ( اللهم أقم لدينك رجلا يكسر العمود المخلق ، ويخرب القبر الذي في جيرون ) فهذا من كرامات الشيخ محيي الدين ( أي النووي ) . فكسرناه ولله الحمد ، وما أصاب الناس من ذلك إلا الخير والحمد لله وحده .

ليست هناك تعليقات: