الأحد، 2 أكتوبر 2011

آخر أيام ابن تيمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين وصلى الله على سيد الهداة وأفضل المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه ومن أحيا سنته وأقام شريعته إلى يود الدين وسلم تسليما كثيرا .

وبعد فإن من مخطوطات دار الكتب الظاهرية بدمشق كتابا اسمه ( الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري ) لإبن عروة الحنبلي الدمشقي وهو لم يقتصر فيه على أحاديث المسند ، بل تعرض لكل ما يناسبها من بحوث العلماء ورسائلهم ومؤلفاتهم فأوردها في كتابه كلما عرضت لذلك مناسبة .

وأكثر ما يورده من هذه البحوث والرسائل والمؤلفات ما كان منها بأقلام علماء الحنابلة ، ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه وطبقتهم فاتسع بذلك كتاب ( الكواكب الدراري ) حتى بلغ مائة وخمسين مجلدا كبيرا فقد ويا للأسف الكثير منها ، وحفظ في دار الكتب الظاهرية بضعة وأربعون مجلدا من هذا المؤلف الحافل ، بعضها من أوائل الكتاب وبعضها من أواسطه أو أواخره ، وقد تجاوز بعضها المجلد العاشر بعد المائة . وإن كثيرا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ورسائله التي طبعة إنما استخرجت من هذا البحر الذي لا ينضب معينه .

وفي جمادى الأولى من سنة 1321 ، وكنت يافعا أتطلع إلى علم السلف بلهفة الناشئ المتزود ، عثرت في المجلد الحادي والأربعين من ( الكواكب الدراري ) على مذكرات لشاهد عيان ألمت بنواحي من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا يغني عنها ما كتبها الكاتبون وألفه المؤرخون في ترجمته ، وبعض هذه المذكرات عما قام به هذا الوارث لعلم النبوة من واجب العلماء في الحياة العملية والإرشاد الفعلي ، وبعضها الآخر عما وقع للشيخ وهو مسجون في قاعة الترسيم في القاهرة .

وكاتب المذكرات خادمه إبراهيم بن أحمد الفياني الذي كان معه طول مدة حبسه في قاعة الترسيم ، ثم كان رسوله إلى دمشق عندما نقلوه إلى البرج الأخضر في الإسكندرية ومنعوا في بادئ الأمر أن يكون معه أحد .

ومذكرات خادم الشيخ مكتوبة بلغة بين العامية والفصحى ، وكاتبها لطول صحبته بالشيخ اكتسب من علمه وصلاحه وصحة إيمانه ، إلا أنه لم يكن له ملكة العربية الفصحى ما يرفعه عن مستوى أمثاله *. وقد حرصت على إبقاء ألفاظه كما هي لما في ذلك من فائدة الوقوف على لغة الجمهور في ذلك الحين ، ولم أصحح غير الإعراب في مواضع قليلة من الرسالة لأن إبقاءه على غير الصواب لا فائدة منه كالفائدة التاريخية التي توقعتها من المحافظة على الألفاظ العامية ، وبهذا أعطيت الأمانة حقها بالمحافظة على ألفاظ خادم شيخ الإسلام ابن تيمية ، كما أديت للعربية حقها فيما يتعلق بالإعراب لأن مخالفته لا فائدة منها .

وقد علقت على مواضع من هذه المذكرات بما يزيدها وضوحا ولا سيما في تعيين أوقات الحوادث وتسمية أيامها ، مقتبسا ذلك مما كتبه أبو عبدالله محمد بن عبدالهادي المقدسي ( 704-744 ) في العقود الدرية وما نقله عن العالم المؤرخ علم الدين القاسم ابن محمد البرزالي الأشبيلي ( 665-739 ) والحافظ شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( 673 – 748 ) وغيرهما من أعلام ذلك العصر .

وكان يجب أن أنشر هذه الرسالة قبل عشرات السنين ، ولكن نسختها التي كتبتها بخطي في طفولتي لم تقع في يدي إلا الآن فحمدت الله على وجودها ، فبادرت بنشرها وإحيائها ، لما أرجوه من فوائدها العلمية والتاريخية ، والله الموفق .

ليست هناك تعليقات: