الأحد، 2 أكتوبر 2011

فصل2


فصل


          وكانت صخرة كبيرة عظيمة في وسط محراب مسجد النارنج فيتوجه المصلي إليها ضرورة ، وعليها ستر أسود مرخي ودرابزين حولها ، وقد استفاض بين الناس أنه حط عليها رأس الحسين عليه السلام فانشقت له ، وأنها متى انشقت كلها قامت القيامة ، ولها في كل سنة ـ يوم عاشوراء ـ عيد يجتمع فيه الناس ، ويبقون في ذلك اليوم وفي غيره من الأيام يتبركون بها ويقبلونها ، وينذرون لهـا النذور ، ويلطخونها بالخلوق ، ويدعون عندها ، فبلغ ذلك الشيخ ، فطلب الحجارين من القلعة ، وخرج إليها ومعه شرف الدين في جماعة كبيرة ، فأول شيء عمله هو قلع الدرابزين من حولها ، ونتش الستر عنها ورماه ، وصاح على الحجارين : دِه عليه ، فتأخروا عنها ، فتقدم هو وأخوه شرف الدين وضربها بنعله وقال : إن أصاب أحد منكم شيء أصابنا نحن قبله . فتقدم إليه عند ذلك الحجارون ، وحفروا عليها ، فإذا هي رأس عمود كبير قد حفر له ونزل في ذلك المكان ، فكسروه ، وحملوه على أربع عشرة بهيمة وأحرقوه كلسا .

قال الشيخ : بعض الرافضة عمل هذا في هذا المكان ، ولوح بين الناس أن رأس الحسين حطوه على هذا الحجر ، حتى يضل به جهال الناس . قال : والرافضة من عادتهم أنهم يخربون المساجد ويعمرون المشاهد ويعظمونها بخلاف المساجد ، وقد قال الله سبحانه : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله اليوم الآخر } ولم يقل : ( مشاهد الله ) . وقال { وأن المساجد لله } ما قال : ( وأن المشاهد لله ) . وقال النبي r : ( من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ) ما قال : من بنى لله مشهدا بنى الله له بيتا في الجنة .

وتكلم وهو جالس في هذا المكان وقال من هذا الجنس شيئا كثيرا . وقال : زيارة القبور زيارة شرعية مأمور بها ، والزيارة البدعية منهي عنها ، فالزيارة الشرعية هي التي أمر بها النبي r ، فإنه زار قبر أمه فقال : ( استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، فإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ) . فالكافر يزار قبره ليتذكر الآخرة ، ولا يدعى له ولا يستغفر له ، بخلاف المؤمن فإنه يزار قبره ليتذكر به الآخرة ، ويدعى له ، ويستغفر له ويترحم عليه ، ويسأل الله له من كل خير ، فإن زيارة قبره من جنس الصلاة عليه .

وكان النبي r يعلم أصحابه وكان النبي r يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، ويرحم الله منا ومنكم المستقدمين والمستأخرين ، ونسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم ، واغفر لنا ولهم ) . فهذا كله حق للمؤمن ، وقد قال r : ( أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فإن صلاتكم عليّ معروضة عليّ . قالوا : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ فقال : تقولون أني بليت ؟ قالوا : نعم . قال : ( إن الله حـرّم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء ) . وقد روى ابن عبد البر حديثا وصححه أن النبي r قال : ( ما من رجل مؤمن يمر بقبر رجل مؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) .

وأما الزيارة البدعية ، فهي أن تزار القبور للتبرك بها ، أو الدعاء عندها ، أو الاستغاثة بأهلها ، أو النذر لها مثل زيت أو كسوة أو شمع أو دراهم أو يشعلون عندها السُرُج أو يصلون عندها ، فإن النبي r نهى عن جميع ذلك فقال : ( لعن الله زوارات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسُرُج ) وقال : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك ) وقال : ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما فعلوا ، قالت عائشة رضي الله عنها : ولولا ذلك لأُبرز قبره ، ولكن كره أن يتخذ مسجدا . فهذه الزيارة على هذا الوجه بدعية منهيٌ عنها .


ليست هناك تعليقات: